د.مصطفى الفقى : لقد حاربنا الذباب !!

377649يحكى أن أحد السائحين ذهب إلى بلد أسيوى جميل لكن ما إن وصل إليه حتى أكتشف أن جمال هذا البلد يشوهه كثرة الذباب (الرزل) الذى لا يخلو منه مكان وذات يوم فوجئ بمطعم يضع لافتة دعاية كتب عليها: لقد حاربنا الذباب ، ففرح الرجل ودخل إليه سريعاً ، لكن بمجرد جلوسه هجم عليه سرب من الذباب ، فنادى الجرسون وقال له:

– ما هذا الكذب ..ألم تقولوا انكم حاربتم الذباب؟

فأجابه الجرسون فى خجل :

– نعم قلنا ذلك ، لكننا لم نقل أننا خسرنا الحرب !؟

تصلح هذه النكتة نموذجاً للدعاية الكاذبة المضللة التى تستخدم انصاف الحقائق ، بينما تخفى النصف الآخر من الحقيقة الذى ينسف ما يوحى به النصف الأول!! فكما يقول قداسة البابا شنودة : إن أنصَاف الحقائق ليس فيها إنصاف للحقيقة.

ولأن الدكتور / مصطفى الفقى  دبلوماسى قديم ، وسياسى من نوع مختلف فلم ينفى وجود مشاكل للأقباط بشكل فج كما إعتادت الحكومة أن تفعل منذ عقود، بل لجأ لدعاية انصاف الحقائق المضللة ، لتجميل وجه النظام العنصرى القبيح أمام الاقباط فى واشنطن خلال لقاء مهد له بمقال عنوانه حوار العصر: الأغلبية والشأن القبطي ، وقد ردد فى مقاله وحديثه مجموعة من دعايات أنصاف الحقائق المضللة لعل أبرزها :

أن وضع الأقباط شأن داخلى وأقباط المهجر يستقون بالخارج ، ولن أرد على هذا الإدعاء الذى يعلم الدكتور مصطفى علم اليقين بطلانه وسخفه ،  بل يكفينى أن يرد عليه زميله الدبلوماسى د.محمد نعمان جلال سفير مصر السابق فى الصين والذى كتب بالحرف فى مقاله “المسـلمون في الصـين” :

” ان المسلمين في الصين شأن داخلي وهذا مبدأ دولي معترف به ولكن يرد عليه قيدان ان اية اقلية في اية دولة لم تعد شأنا داخليا كاملا لان هناك الحد الادني من الحريات وحقوق الانسان واي افتئات عليها يمثل خروجا علي المباديء الدولية والمواثيق الخاصة بحقوق الانسان،  والقيد الثاني ان مبدأ التدخل في الشئون الداخلية في تراجع لصالح مبدأ التدخل الانساني لوقف الانتهاكات الجسيمة ضد اية اقلية عرقية او دينية وهذا ما حدث في العراق وفي البوسنة وغيرهما” .

وقد نشر مقاله فى جريدة الأخبار الحكومية يوم 24/7/2009 ، فما رأيك فيما قاله زميلك يا دكتور مصطفى ؟؟؟!!!

أن نسبة كبيرة من الكنائس لا تملك ترخيصاً حتى الآن، وتناسى سيادته وجود كنائس أثرية شديدة القدم وسط هذه الكنائس ، وقد بنيت قبل عصر الدولة الحديثة ومكاتبتها الورقية وتراخيصها، بينما جزء آخر منها بنى فى  قرى ونجوع لم يسمع بها أحد ولا تستخرج اى تراخيص حكومية للبناء أو الهدم فى اى من مبانيها ، مثلها فى ذلك مثل المناطق العشوائية فى المدن والتى بنيت جميع مبانيها بما فيها الكنائس بدون تراخيص ، كما يتجاهل سيادته أن المسئول عن وجود كنيسة بدون ترخيص هى الحكومة التى تمنتع عن منح التراخيص وليس الأقباط الذين يلهثون سنوات طويلة للحصول على التراخيص الإدارية والقرارت الجمهورية ليس فقط لبناء كنائس جديدة بل ايضاً لترميم الكنائس القديمة التى تسقط على رؤوس المصلين.

أن إقدام الاقباط على التقدم لشغل الكوادر الخاصة والوظائف الحكومية لا يكون بمعدل أقرانهم من المسلمين، يعنى الأقباط هم المسئولين عن إستبعادهم العنصرى من التعيين فى النيابات العامة والإدارية !!! والسلك الدبلوماسى !!! والسلك القضائى والسلك الجامعى !!! والكليات العسكرية وكلية الشرطة !!! بل حتى فرق النوادى الرياضية !!! يا سيدى الفاضل يعرف كل قبطى المئات من قصص الإحباط التى تعرض لها معارفه وأقاربه فى كل المؤسسات السابقة وغيرها الكثير.

أن الجانب التعليمي والثقافي والإعلامي بدأ يستوعب الوجود القبطي. هذا الكلام عجيب لأنه على ارض الواقع تطبع الحكومة على نفقتها الكتب التى تهاجم عقيدة الاقباط وتكفرهم وتستحل أموالهم وأعراضهم وحياتهم مثل كتاب فتنة التكفير للدكتور محمد عمارة ، وتفرد لكتابها صفحات ضخمة ثابتة فى الصحف الحكومية لمهاجمة المسيحية وتحقيرها ، كما تطبع الكتب التى تخون الأقباط وتهاجم رموزهم التاريخية مثل المعلم يعقوب !؟

ثم اين الوجود الأعلامى القبطى فى تلفزيون الدولة بكل قنواته !! وهل من قبيل الإستيعاب الإعلامى رفض وضع أى قناة قبطية على القمر المصرى نايل سات بينما يمتلئ القمر بالقنوات الإسلامية لكل الطوائف والإتجاهات ؟! وهل يعتبر عرض فيلم “شفيقة القبطية” فى ليالى الأعياد إستيعاباً للمكون القبطى يا دكتور مصطفى؟؟!!

أن كثيراً من الأقباط الذين يتحدثون عن الاضطهاد يستخدمون ذلك ذريعة أحياناً للحصول على ما لا يستحقون ، الحقيقة ان هذه الجملة ليست نصف حقيقة بل هى باطل كامل ، إن الأقباط محرومين من حقوقهم الأصلية مهما طالبوا بها فكيف يمكنك أن تزعم أنهم يتذرعون بالإضطهاد للحصول على غير ما يستحقون ، إنهم لا يحصلون على اى شئ اصلاً لا حقوقهم ولا غيرها !!! ألم تسمع عن المعيدة  ميرا ماهر رؤوف التى حرمت من التعيين فى كلية طب المنيا بسبب مسيحيتها ، بل ألم تسمع عن الدكتور مجدى يعقوب الذى إضطهد فى كليته وحرم من كل حقوقه ، للأسف يا دكتور مصطفى لقد أصبح الاقباط محرمومين من أبسط حقوقهم الأساسية مثل الحق فى الأمن والعدالة.

أنه فى مقابل حالات زواج المسلمين من قبطيات يوجد حالات زواج لمسيحيين من مسلمات ، وهى نصف حقيقة تتجاهل وجود حالات خطف وزواج  لفتايات قاصرات مسيحيات لا يصح – بحكم القانون – زواجهن أو تغييرهن لدينهن ، ويتجاهل منع الفتاة القبطية من العودة لأهلها متى أدركت عمق المصيبة التى أوقعت نفسها فيها، والذى يصل الى حد العقاب الجماعى للأقباط لإعادتها كما حدث مع اقباط قرية طامية بالفيوم عندما هربت دميانة مكرم من زوجها المسلم فتم حرق وتدمير ونهب كل بيوت أقباط القرية وأعادها الأمن بقوة لزوجها !! كما يتجاهل هذا القول عدم تساوى المعاملة الحكومية والقانونية لكلا الحالتين ، فزواج المسلم من مسيحية حتى لو كانت قاصر تحميه الاجهزة الأمنية وتقبض على أهل الفتاة المسيحية وتهينهم وتجبرهم على عدم التعرض لها او محاولة أرجاعها مع تقديم كافة التسهيلات فى إستخراج وثائق الزواج وإشهار الإسلام للفتاة ، أما فى حالة زواج المسلمة من مسيحى فإنه يتم مطاردتها هى وزوجها وتهديدهم بل والقبض عليهم وسجنهم وتعذيبهم لإجبارهم بكل وسيلة على إنهاء هذا الزواج ، مما يدفعهم للفرار من الامن إلى الخارج وهو مالم يستطيع الدكتور الفقى ان ينكره.

أن صورة ما يجري في مصر مغلوطة أحياناً ومبالغ فيها دائماً أمام الأقباط والمسلمين في الخارج ، أين هذه المبالغة والمواقع القبطية صارت تقدم الحدث الموثق بالصوت والصورة والفيديو وبشهادة شهود العيان والضحايا الأقباط !!! أرجو أن تضرب سيادتك لنا مثلاً على هذه المبالغات !!!

أن 35 % من ثروة مصر فى أيدى الأقباط ، وهو إدعاء مكرر يعكس إضطهاد الأقباط وليس رفاهيتهم ، فالاقباط تاريخياً هم القادرين مالياً فى مصر الذين تمكنوا من البقاء على دينهم بدفع الجزية والأتاوات الباهظة غير المحدودة ، كذلك فإن التميز فى العمل الحر يرجع لإستباعدهم من الوظائف العامة وعدم رغبة كثير من المسلمين فى تشغيلهم “لكى لا يفتحوا بيت كافر بدلأ من بيت مسلم” !! كذلك يكشف الرقم – بغض النظر عن صحته – عن ترصد حكومى عنصرى بالأقباط ومراقبتها اللصيقة لكل أنشطتهم الحياتية (بينما يرفضون الإعلان عن عدد الاقباط فى مصر).

أن قرار جعل أجازة عيد الميلاد فى السابع من يناير اجازة قومية دليل على التسامح ، لا ينكر إلا جاحد أن هذا القرار كان مطلب قبطى قديم وانه حق اسعدنا كثيراً الحصول عليه، لكنه أيضاً مثال صارخ على دعاية أنصاف الحقائق ، فلم يصبح عيد القيامة أجازة قومية هو الآخر لقيام السلطة بقياس المناسبات الدينية المسيحية على مقياس العقيدة الإسلامية التى تعترف بميلاد المسيح لكنها لا تعترف بصلبه وقيامته !!! وهذا عبث وعنصرية ان تمنح للناس حقوقهم بناء على مدى موافقتها لعقيدتك !!! أى حقوق تلك وأى تسامح هذا !!! كما يعكس هذا التفكير الإحساس بالمنة والتفضل عند منح الاقباط حقوقهم.

عزيزى دكتور مصطفى الفقى ، صدقنى أنا شخصياً أحترمك كإنسان متسامح وكدبوماسى قدير، ذكى ، محترم  وعف اللسان ، وأقدر تاريخك الأكاديمى كباحث جاد مهتم بالشأن القبطى منذ عدة عقود ، لذا فنصيحتى لسيادتك ألا تدع النظام يستغلك ويورطك مع الأقباط مثلما ورطك مع أهل دمنهور …

لقد كنت أتمنى ان تكون بكل علمك ونزاهتك سفيراً للأقباط عند الحكومة وليس العكس.