ربما كنت اول مدون مصرى يكتب عن إنفلونزا الخنازير وكيفية إنتشارها وويلقى الضوء على حزمة من التدابير الحكومية والشعبية للوقاية من المرض ، وقد كان من ضمن ما طالبت به ذبح كافة الخنازير فى مناطق المقطم وعزبة الزبالين لإعتقادى أنها قد تكون من اسباب الإصابة. لكننى كنت مخطئاً وليس عيباً أن يعترف الكاتب بخطئه، فلشدة فزعى من هذا المرض وخوفى على بلدى وأهلى ، أسرعت بالكتابة دون ان أجمع المعلومات الكافية حول ما سأكتب عنه خاصة لحداثة الموضوع.
ومن ضمن المعلومات التى كنت اجهلها انه لا داعى ابداً لذبح كل الخنازير فهو إجراء عقيم بلا فائدة بل يضر بمصالح المربين وبالإقتصاد القومى. لذلك لم تعدم اى بلد من البلاد التى اصابها المرض بما فيها المكسيك الخنازير لديها ، رغم الاجرائات الصحية المشددة التى اتخذتها كل دول العالم المتقدمة المعتادة على التعامل بفاعلية مع الازمات الصحية والتى خصصت لها مليارات الدولارات رغم الازمة الإقتصادية.
فإنفلونزا الخنازير تنتقل بين البشر وبعضهم البعض من خلال الهواء ، اى انها تحولت لوباء بشرى لا علاقة له بالخنازير ولا يفيد اعدامها او نقلها من اماكن تربيتها فى شئ . لأن الاجراء البيطرى الصحيح هو متابعة المزارع والكشف الدورى عليها وتحصينها ضد المرض وإعدام المصاب فقط أو القطيع الذى تصاب عدة رؤس منه ( تماماً كما يحدث مع انفلونزا الطيور لا شئ اكثر ولا اقل).
لكن بالطبع بمجرد نشر خبر فيرس انفلونزا الخنازير حدث إنفجار للعنصرية الدينية المتزايدة تجاه الاقباط ، وفرح الاسلاميين إيما فرح بهذه الكارثة لانهم وجدوا أخير ما حسبوه مبرراً لتحريم اكل لحم الخنزير ، لكنى على الاقل كنت احسب ان حكومتنا سوف تقدر حجم الخطر وتعامل معه بموضوعية وبشكل علمى مدروس لكن للأسف خاب ظنى ، وتحول الموضوع كله إلى موجة من العبث العنصرى.
فقد اعلنت جميع الوزارت والمصالح والهيئات والصحف والقنوات الفضائية الحرب على الخنازير واصحابها الغلابة.
وأصبحت الصحف تمتلئ بالاوصاف العنصرية مثل بؤر تربية الخنازير ، اوكار تربية الخنازير ، مافيا تربية الخنازير ، بل نشرت جريدة اليوم السابع سبقها المخابراتى الخطير الذى سيكتب عنه التاريخ وهو.. هششش .. قرب ودنك كده .. خريطة تربية الخنازير فى مصر .. وكأنها مناطق سرية تحت الارض لا يعرفها احد ..
وشاهدت أطباء وبيطرين يتحدثون عن الخنازير من منطلق عقيدتهم الدينية لا من منطلق دراستهم العلمية فتجد الواحد منهم بعد ان يؤكد أن الخنازير فى مصر غير مصابة وجميع عيناتها سليمة وان المرض ينتشر بين البشر ، وان الخنزير ليس له علاقة بالموضوع خالص دلوقتى ، تجده ينتفض فجأة بعد كل ذلك ويعلن بأن الخنازير يجب ان تعدم برغم كل ذلك لأنها حيوانات نجسة وقذرة !!!!!
وشنت الفضائيات المصرية حملة تحريضية رخيصة على زبالين المقطم ومربى الخنازير تحتوى كل التعبيرات العنصرية و الالفاظ المهينة لمن يربون الخنازير او يتناولون لحومها، وبأشخاص من المتداخلين تليفونياً من نوعية من يدعى بأن اسمه جورج أوعبد المسيح أو مارك وطبعاً جميعهم يطالبون بإعدام الخنازير وبالتخلص من هذه النجاسة وتسقط منهم خلال الحديث ألفاظ تبين بوضوح انهم ليسوا مسيحيين من الاساس.
هذا غير سيل التعليقات العنصرية المليئة بالمغالطات فى المواقع الاخبارية المصرية والعربية حول هذا الموضوع والتى تحتاج لتدوينة منفصلة لمناقشة اهمها واكثرها تكراراً.
السؤال هو هل عندما ضربت انفلونزا الطيور مصر أتخذت الحكومة قرار بإعدام كل الطيور التى تتم تربيها فى مصر من دجاج وبط واوز وديوك رومية وحمام !!! وعدم تربيتها فى مصر نهائياً مرة أخرى أم انها كانت ومازالت تكشف وتحلل وتعدم المصاب فقط .
مصر هى الدولة الوحيدة فى العالم التى قررت إعدام مزارع الخنازير على الرغم ان المرض ينتقل الآن بين البشر وبعضهم البعض فأصبح واضحاً ان الحكومة تسعى لتنفيذ اجندة خفية لا علاقة لها بالتدابير الصحية للتعامل مع المرض كما تفعل كل دول العالم. فهى تبدو لمن لا يعرف طرقها الملتوية والدوافع الحقيقية لقرارها اشبه بمن يطلق النار على ظل الاسد وليس قلبه.
والحقيقية ان الرئيس مبارك كان موضوعياً فى الاجتماع الذى تم عقده اليوم لدراسة الموضوع – وأذاعه التلفزيون المصرى – فقد سأل وزير الصحة الدكتور حاتم الجبلى بوضوح وقال له : هل المكسيك أعدمت الخنازير عندها؟ او فى اى حد تانى فى العالم اعدم الخنازير ؟ وهنا اجاب السيد الوزير بشكل مباشر : لا يا ريس محدش اعدم اى خنازير !!!!
لكن السيد الدكتور / احمد نظيف رئيس الوزراء قال للرئيس : هو أعدام الخنازير يا ريس مطلب شعبى من قبل الموضوع ده بزمان !!!!! شفتوا بقى مطلب شعبى ومن قبل الموضوع ده بزمان ، اعتقد أن كلام سيادته مش محتاج لتعليق فالرجل يفصح عن النية المبيتة من قبل لإبادة الخنازير وان الموضوع كله تلاكيك.
وكالات الانباء العالمية تتابع عن كثب – وساعة بساعة – تطورات المرض فى كل مكان بالعالم والتدابير التى تتخذها كل بلد للتصدى للفيرس ، وتناقلت جميعها قرار الحكومة المصرية بتدمير جزء من ثروتها الحيوانية واعدام كل الخنازير على اعتباره من الطرائف المضحكة فى تغطية اخبار المرض وغرائب الشعوب المتخلفة فى التعامل معه ، وبأن المصريين لم يفهموا جيداً الفرق بين الخنازير وأنفلونزا الخنازير ، فظنوا خطأ أن عليهم ابادة الخنازير وليس الفيرس المسمى بإسمها !!! بينما المحت محطات اخرى الى ان الحكومة المصرية تستغل فرصة المرض لإضطهاد الاقلية المسيحية من ملاك مزارع الخنازير ومستهلكيها والتضييق عليهم تنفيذاً للتعاليم الاسلامية.
بل ان منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة ( الفاو) أعلنت ان قرار مصر بذبح جميع الخنازير في البلاد هو “خطأ حقيقي” لانه لا سبب يدعو الي ذلك. لانها ليست انفلونزا في الخنازير بل انها انفلونزا بشرية” ، كما اعلنوا انهم حاولوا الاتصال بمسئولى الحكومة المصرية لتوضيح الموقف لهم لكنهم لم يستطيعوا الوصول إليهم ( البهوات بيتهربوا منهم لأنهم عارفين كويس ان قرارهم طائفى وليس علمى ، بالذمة فى مسخرة اكتر من كده يا عالم)
وإجتمع مجلس الشعب بمنتهى السرعة واصدر قرار بإجماع كل تياراته لإعدام الخنازير ( لم تتفق كل هذه التيارات من قبل على شئ واحد من قبل إلا على موضوع الحجاب ضد الوزير فاروق حسنى!!) وأصدروا القرار رغم اعترافهم بأنهم لم يدرسوه جيداً وعللوا بأنه لا يوجد وقت للدراسة كما صرح بذلك سيادة النائب الكبير جداً جداً كمال الشاذلى !!! (طبعاً ما هى فرصة وجت على الطبطاب ولازم يستغلوا حالة الذعر العام ويعملوا الى نفسهم فيه من زمان).

مانشيت جريدة الجمهورية الحكومية ليوم 29 ابريل 2009
بل رفضوا حتى تعويض المربين عما سيعدموه من خنازير ، يعنى إنتقام موت وخراب ديار..
واصبح هناك من يقدم بلاغ للنائب العام للتحقيق مع ملاك حظائر الخنازير !!!
بل ظهر من يطالب بإعتقال مربى الخنازير!!! فعلاً ما هم خطرين على الامن العام !!!
ومن يطالب بعدم إعادة تربية الخنازير نهائياً فى مصر وإعدام من يقوم من الأقباط بتربيتها مرة أخرى!!! فى الدولة التى لا تعدم قتلة الأقباط !!!
وأطلق الصحفى مصطفى بكرى – صاحب التاريخ الطويل فى معادة الاقباط والتحريض عليهم – شائعة كاذبة عن اصابة مصرى بأنفلونزا الخنازير.
ملحوظة اخيرة : يدل السلوك العنصرى الطائفى غير العملى ولا العلمى الذى تتتعامل به الحكومة مع انفلونزا الخنازير انها فى طريقها للفشل فى علاجها كما فشلت من قبل بجدارة فى التعامل مع انفلونزا الطيور .
تحديث :
هل الخنزير قذر وديوث ؟ الإجابة هنـــــــــــــــــــــا
Filed under: هموم المواطنة | Tagged: مصر،مصريين،اقباط ، مسيحيين،انفلوانزا،اضطهاد،اعدام الخنازير،تخريب،خنازير | 18 تعليق »