ما حدث فى إيران من إضطرابات وإحتجاجات على تزوير الإسلاميين للإنتخابات الرئاسية وما اعقبها من تطورات آخذة فى بلورة ثورة إيرانية جديدة مروية بدماء الشباب ، يجب أن يكون عبرة لنا فى مصر ، التى يحاول إسلامييها إستخدام وسائل الديمقراطية للوصول إلى السلطة ثم الإجهاز عليها للابد ، قامعين شركائهم من يساريين وليبراليين ( فى حركة كفاية ) بنفس الاساليب البوليسية التى يشتكون منها الآن .
فالثورة الإيرانية صنعتها كل الأطياف السياسية الإيرانية من يساريين وليبراليين وشيوعيين فى الفترة من 1977 وحتى 1979 رفضاً لسياسات الشاه القمعية تجاه المعارضة وفساده السياسى مثل :
– انتهاك الدستور الإيراني ، والقمع البوليسى للمعارضة من خلال جهاز أمن الدولة (السافاك)!!
– تركيز الحكومة على قمع المعارضة اليسارية الإيرانية، مع عدم المساس بالمعارضة الدينية !!
– تكريس سياسة احتكار الحزب الواحد للسلطة ،وسوء إدارة عائدات البترول، وفشل برنامج الإصلاح الاقتصادي الذى وضع عام 1974.
بينما ما دفع الإسلاميين للمشاركة فى معارضة نظام الشاه هو رفضهم لحزمة الإصلاحات القانونية والإجتماعية التى بدأ الشاه تنفيذها فى عام 1963 والتى شملت :
– تأميم جزء من ممتلكات وإقطاعيات بعض المشايخ الشيعة (أصحاب الغنى الاسطورى) وتوزيعها على الشعب !!
– إعطاء النساء حق التصويت فى الإنتخابات !
– ضمان انتخاب ممثلين للأقليات الدينية فى البرلمان !
– تعديل قانون الأحوال الشخصية ليصبح اكثر إنصافاً للمراة !
– تجريم إجبار النساء على إرتداء الحجاب !
وفى اثناء إضطرابات الثورة الإيرانية كان الإسلاميين يخصون بالتخريب مدارس البنات و دور السينما والمسارح !!
وعندما أستتبت الامور للثورة سرعان ما إستولى الإسلاميين عليها وأسموها “الثورة الإسلامية “وبدأوا فى تصفية شركائهم فيها !!! ، مثلما فعل إسلاميين مصر فى كل من تعاون معهم عبر التاريخ واشهرهم السادات ، وكما سيفعلون دائماً.
وقفز الخومينى من باريس إلى طهران على مقعد القيادة ، وكان قد اخفى بدهاء رغبته فى أسلمة النظام ولم يتحدث أبداً عن (ولاية الفقيه) التي كان يعتزم تنفيذها، لمعرفته بأنها ستلقى الرفض من كافة الإيرانيين بمختلف اطيافهم ، مثلما يحاول الاخوان التمويه وإخفاء موقفهم الحقيقى من طبيعة النظام السياسى والإقتصادى وإخفاء موقفهم من الأقباط والحريات وحقوق الإنسان .
وأعلن الخومينى رفضه للديمقراطية التى أتى بحجتها (مثلما يحاول الاخوان المسلمين فى مصر أن يفعلوا) وقال لهم “لاتستخدموا هذا المصطلح (الديموقراطية)، لإنها مفهوم غربي“!!!! وعندها احس الديمقراطيين وأنصار الحريات بحجم الخديعة التى تعرضوا لها على يد الإسلاميين الذين حسبوهم شركاء.
فعقب الثورة بأشهر قليلة تم إغلاق عشرات الصحف والمجلات المعارضة للشاه والتى كانت لسان الثورة !!! لأنها بدأت فى إنتقاد إستيلاء الإسلاميين على الثورة ومقدراتها !! وحدثت إحتجاجات ضد إغلاق الصحف فتم قمعها بعنف بوليسى مماثل لعنف نظام الشاه وتم إعتقال المتظاهرين!! وكان الخوميني غاضب بشدة من الإحتجاجات وقال “كنا نظن أننا نتعامل مع بشر، من الواضح أن الأمر ليس كذلك” !!!!
وبعد ستة أشهر فقط بدأ قمع التيار الإسلامى الوسطى !! المتمثل في حزب الشعب الجمهورى (المقارب لحزب الوسط الإسلامى مشروع أبو العلا ماضى فى مصر) ، فقد تم التضييق على الحزب وإعتقال العديد من رجاله ورموزه ومنهم شريعت مدارى الذي وضع تحت الاقامة الجبرية !!
وفي مارس 1980 بدأت “الثورة الثقافية” وهى حركة إرهاب فكرى منظم (على الطريقة النازية) للقضاء على كل فكر غير إسلامى فى إيران ، ولغسيل أمخاخ الأجيال القادمة وتحويل كل المدارس والجامعات إلى معسكرات فكرية لبرمجة عقول الطلاب على النهج الإسلامى ، فتم إغلاق الجامعات لمدة سنتين !!! لتنقيتها من معارضي النظام الدينى من الأساتذة والطلبة !! لأنها كانت معقل اليسار المرعب للإسلاميين.
وفي يوليو من نفس العام فصلت الثورة الإسلامية عشرين ألف مدرس !! وثمانية آلاف ضباط (كثير منهم ممن شاركوا فى الثورة) بأعتبارهم “متغربين” أكثر مما يجب !! وبشكل عام استخدم الخومينى أسلوب الإرهاب والتكفير للتخلص من معارضيه.
بعد عامين من الثورة بدأت الإشتباكات المسلحة بين جماعة مجاهدى خلق الإسلامية والإسلاميين فى الحكم وقد قتل فى هذه الإشتباكات عشرات الآلاف من أعضاء الجماعة . وتبع ذلك إنتقال قيادة الجماعة للمهجر فراراً من جنة المشروع الإسلامى الذى اشتركت فى صنعه.
وفي منتصف عام 1981 دعا قادة حزب الجبهة الوطنية الشعب الإيرانى للتظاهر ضد تطبيق عقوبات القصاص المستمدة من الشريعة الإسلامية ، فهددهم الخوميني بالإعدام بتهمة الردة “إذا لم يتوبوا” !!
وهكذا بالقهر وبحور الدماء الإيرانية إستتب الحكم للإسلاميين طيلة الثلاثين عاماً الماضية عن طريق مليشيات “الحرس الثورى الإيرانى” صاحبة السجل المكتوب بدماء الابرياء .
وإنتهى حلم الديمقراطية وأصبح الحاكم الحقيقى لإيران هو المرشد من خلال نظرية ولاية الفقيه ، والرئيس مجرد منصب إسمى فهو فى الحقيقة ليس أكثر من سكرتير لمولانا الإمام ومنفذ لأوامره ، كما أن المرشد هو من يختار المتنافسين على الرئاسة !!!! وللشعب حق إختيار الرئيس القادم (سكرتير الإمام) بمنتهى الحرية ما بين أحمد والحاج احمد !!! فهذه هى الديمقراطية على الطريقة الإسلامية !!!
وبالطبع فالمتنافسين الذين يختارهم المرشد دائماً ما يكونوا من الإسلاميين لكن بعضهم يكون متشدد (إصلاحى) والآخر اكثر تشدداًً وتطرفاً (محافظ) ..
لكن الإنتخابات الإيرانية الاخيرة رغم إتصافها بكل ما سبق فقد حملت روحاً جديدة هى روح الرفض للنظام الإسلامى القائم والرغبة العارمة فى تغييره بالآليات المتاحة ، على الرغم من كون هذه الآليات مصممة أساساً لإستبعاد أى تيار ليبرالى او يسارى من الحياة السياسية وجعلها مغلقة على الإسلامين وحدهم.
ما يحدث فى إيران هو مولد ثورة إيرانية جديدة ، إن لم تنجح فى الإطاحة بالنظام الإسلامى فعلى الأقل ستضعف من قبضته الخانقة على رقاب الإيرانيين.
لكن كان اوضح ما ظهر خلال الفترة الماضية هو:
1- رعب الإسلاميين من الكلمة والإنترنت رغم إمتلاكهم لكل وسائل القمع البوليسى والمخابراتى المتوحش والتى لم تنجح فى إخفاء الحقيقة التى وصلت للعالم عن طريق كاميرات موبيلات الشباب الإيرانى ، ومواقع المعارضة والمدونات ومواقع الإتصال مثل تويتر وفيس بوك بعد طرد وسائل الاعلام الاجنبية.
2- إستعداد الشباب الذى ولد وتربى فى ظل حكم الإسلاميين للتضحية بالدم لأجل الخلاص من حكمهم.
3- بينما ينشر الإسلاميين فى مصر الحجاب الإيرانى المسمى بالشادور فإن فتيات إيران المكرهات بحكم القانون على إرتداء هذا الحجاب يحاولن التحرر منه وخلعه متى إستطعن حتى أن الإسلاميين قد إستحدثوا شرطة نسائية لملاحقة السافرات وضربهن ورشهن بالمواد الكاوية وماء النار لإجبارهن على التحجب !!!
كما أوضحت كل الصور والفيديوهات التى خرجت من إيران ان معظم الإيرانيات قد إستبدلن الشادور الاسود ، بإيشاربات صغيرة ملونة لا تغطى كل الرأس ، وهى اشبه بحجاب إسمى يتحايلن به على قانون الحجاب الإسلامى الذى يفرض على جميع الإيرانيات إرتداء الحجاب ، ومن ترفض فالويل لها فسوف تتعرض للضرب والحبس إذا نزلت للشارع بدون حجاب.
وحتى الشابة ندا شهيدة الحرية التى صارت رمزاً لثورة إيران الجديدة ، كانت غير محجبة ، وقد قتلت برصاصة مباشرة فى قلبها من واحد من رجال الحرس الثورى الإسلامى ، وقد كانت غير محجبة فى حياتها العادية لكنها لم تكن تخرج للشارع الا بهذا الإيشارب.
فهل سنأخذ العبرة من إيران أم سنهرول نحو مصيرها …
Filed under: مصريات،إقليميات | Tagged: موسوى،مجلس الشعب،مصر،نواب،نائب،أحمدى نجاد،إيران،الأمام،الإسلام السياسى،الإسلاميين،الاخوان المسلمون،الثورة الإيرانية،الثورة الايرانية،الخومينى،السادات،انتخابات،ايران،اخوان،تويتر،ثورة،جماعة محظورة،حقوق الانسان،حريات،حرية،ديمقراطية | 12 تعليق »